هل ينتصر ترامب في الحرب التجارية؟


ثم أعلن ترامب عن اتفاق مماثل مع اليابان، حيث ستكون الرسوم الجمركية على سلعها 15%، فيما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على وشك التوصل إلى اتفاق يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على السلع الأوروبية.

ترامب يعلن انتصاره، والانطباع الظاهري الأول هو أن ترامب يفرض رسوما جمركية، ولا يتلقى أي رد من نظرائه. لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك.

للوهلة الأولى، يبدو وكأن ترامب قد نجح في تدشين استعمار جديد، فهو يجني الأرباح من الدول التابعة (حتى الآن أبرمت اتفاقات مع الدول الأكثر اعتمادا على الولايات المتحدة فقط، والتي، من بين أمور أخرى، تستعد للتضحية بنفسها في الصدام العسكري القادم بين الولايات المتحدة والصين). لكن واقع الأمر، وكما هو الحال مع العديد من انتصارات ترامب الأخرى، فإن هذا الاستعمار الجديد افتراضي أو وهمي. ففرض الرسوم الجمركية لا يعني استمرار تدفق البضائع من هذه الدول إلى الولايات المتحدة.

إقرأ المزيد

من انتصر في اتفاق الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة؟

بطبيعة الحال، يطرح السؤال نفسه: ومن سيدفع كل هذه الرسوم؟ إذا ارتفعت تكلفة البضائع الفلبينية في الولايات المتحدة بنسبة 19%، فستفقد قدرتها التنافسية، وستتوقف عن البيع، وبالتالي ستنخفض صادراتها إلى الولايات المتحدة، مع الرسوم الجمركية المحصلة منها. وإذا أبقى المنتجون الفلبينيون أسعار بضائعهم في السوق الأمريكية دون تغيير، وغطوا الرسوم من أرباحهم، فسيفلسون.

في واقع الأمر، لن تكون هناك زيادة ملحوظة في إيرادات الرسوم الجمركية على ميزانية الحكومة الأمريكية، ولن يتحسن وضع المنتجين الأمريكيين. إذ أنه من الضروري، للحد من منافستهم، فرض رسوم جمركية على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، وليس فقط على بعض حلفائها. وإلا، فسيتم إعادة تصدير السلع الفلبينية والإندونيسية واليابانية وغيرها إلى الولايات المتحدة عبر دول ثالثة غير خاضعة للرسوم الجمركية.

وهكذا، فبعد مرور بعض الوقت، وهو أمر ضروري لإعادة توجيه تدفقات التجارة نحو مسارات جديدة، سنرى أن رسوم ترامب الجمركية لم تجد نفعا. ولكي تجدي نفعا، يجب على السيد ترامب فرضها على جميع دول العالم، وهو أمر مستبعد حاليا، وإن حدث فسيكون تأثيرها على الولايات المتحدة أولا.

في الوقت نفسه، فإن التعقيد المتزايد في الخدمات اللوجستية من شأنه أن يزيد من تكاليف المصدرين، في حين أن التأثير المؤقت للرسوم الجمركية المتزايدة سيستمر لبعض الوقت، ما سيؤثر على صادرات البلدان المتضررة من الرسوم الجمركية.

سيكون لهذا الأمر 3 عواقب: تدهور الوضع الاقتصادي في البلدان المتضررة من الرسوم الجمركية، وزيادة التضخم في الولايات المتحدة، وبدء الحروب التجارية بين بلدان ثالثة.

التأثير الثالث هو الأكثر تدميرا لأنه سيكون عالميا. فالمصدرون الفلبينيون واليابانيون وغيرهم، ممن يواجهون انخفاضا في صادراتهم للولايات المتحدة، سيعيدون توجيهها إلى دول ثالثة، ما سيولد فائضا في المعروض وانخفاضا في الأسعار. وهذا سيلحق الضرر بصناعات الدول الأضعف، والتي ستبدأ إما بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية أو ستواجه أزمة اقتصادية. بفرض رسوم جمركية على النعال الإندونيسية، سيدمر ترامب المصانع المصرية أو المغربية أو الأردنية التي تنتج نفس النعال، ولكن بأسعار أعلى قليلا من تلك الإندونيسية.

باختصار، ترامب لا ينتصر في حربه التجارية، بل يجعلها عالمية، ما يدفع نحو تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.

إقرأ المزيد

هل تنتهي الرأسمالية بسقوط الولايات المتحدة؟

من المهم أن نفهم أن الرسوم الجمركية في ظل الظروف الراهنة لا يمكنها إنعاش الصناعة الأمريكية، فقد فات الأوان. وتكلفة السلع المنتجة في الولايات المتحدة مرتفعة، والمنتجات الأمريكية غير قادرة على المنافسة، وهو ما يدفع الشركات الأمريكية إلى نقل إنتاجها إلى آسيا. وبرغم أن الرسوم الجمركية على السلع المستوردة ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي تحسين وضع الصناعة الأمريكية، إلا أن ارتفاع الأسعار في الوقت نفسه، أي التضخم، سيجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة، وهو ما سيزيد مدفوعات الديون على مستوى الولايات المتحدة، من الأسر إلى الشركات والحكومة. وفي ظل ديون ضخمة، قد يؤدي ذلك إلى انهيار هرم الديون والنظام المالي الأمريكي والعالمي بأكمله. وإذا لم يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة، فسيؤدي التضخم سريعا إلى هروب رؤوس الأموال من الولايات المتحدة ومن الدولار، ما سيؤدي أيضا إلى انهيار الولايات المتحدة. إنه وضع Zugzwang “إلزامية الحركة” في الشطرنج، حينما تصبح محصلة أي خطوة في أي اتجاه هي تدهور الوضع.

باختصار، فإن محاولة ترامب عكس مسار التاريخ لا رجاء منها. فرسومه الجمركية تعجل بانهيار النظام بأكمله، بما في ذلك انهيار الولايات المتحدة نفسها.

لكن ربما يتعين على حلفاء الولايات المتحدة التضحية بأنفسهم أولا، أو على الأقل تلقي الضربة الأولى. في اليابان، فقد الحزب الحاكم السيطرة على مجلسي البرلمان لأول مرة منذ 70 عاما، ورئيس الوزراء على وشك الاستقالة. وليست تلك سوى البداية فقط.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة الكاتب على تطبيق “تلغرام”

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *