هل سيتورط الوزراء البريطانيون بتهمة التواطؤ في كارثة غزة؟



يبدو أن ديفيد لامي يعتقد أن إسرائيل وأنصارها سيكونون قادرين دائماً على التصرف دون عقاب، لكن الوضع الراهن لا يمكن أن يصمد بالتأكيد.  

لقد وصلت غزة إلى نقطة تحول كارثية؛ حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يُنقلون إلى المستشفيات أو يموتون جوعاً بشكل حاد. وأصدرت نقابة الصحفيين العاملين لدى وكالة فرانس برس بياناً حذّرت فيه من أنه “إذا لم يتدخل أحد، سيموت آخر الصحفيين في غزة جوعاً”.

هذا أمر صادم للغاية، ولكنه ليس مفاجئاً: ففي نهاية المطاف، مضى أكثر من 140 يوماً على الحصار الإسرائيلي الشامل على غزة. ففي مايو، ألغت إسرائيل آلية الأمم المتحدة الفعالة لإيصال المساعدات، مُفضّلة نظاماً بائساً يجبر الفلسطينيين فيه على التنافس على شحّ المساعدات التي غالباً ما تكون غير صالحة للاستخدام، لا بل يتم إطلاق النار عليهم أثناء ذلك.

لقد قُتل نحو 1000 مدني أثناء بحثهم عن الطعام منذ نهاية مايو. ويُصرّح أليكس دي وال، أحد أبرز خبراء الجوع في العالم، قائلاً: “لم تُسجّل منذ الحرب العالمية الثانية حالة تجويع مقصودة وتحت السيطرة الكاملة بهذه الدقة”. وبموجب اتفاقيات جنيف، “يُحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”.

وعلى هذه الخلفية، وقف كيت مالتهاوس، الوزير السابق في حزب المحافظين، يوم الاثنين، في البرلمان وسأل وزير الخارجية، ديفيد لامي، عما إذا كان “لا يرى الخطر الشخصي الذي قد يُواجهه، في ظل التزاماتنا الدولية، بأن ينتهي به المطاف في لاهاي بسبب تقاعسه؟”،  فانحنى لامي على صندوق البريد، وتبنى نبرة خيبة أمل جادة، كما يفعل المرء عند محاولة الترفع عن إهانة غير مبررة وردّ قائلاً: “يجب أن أخبره أن إضفاء طابع شخصي على حجته بهذه الطريقة يُقلل من شأنها”.

لكن مالتهاوس لم يلجأ إلى الإساءة. بل إن نائب رئيس المجلس لم يوبخه على لغته غير البرلمانية. وخلط لامي عمداً بين التدقيق والهجوم الشخصي لتجنب الإجابة على السؤال. وللأسف، فهو، كرئيس وزرائنا، محام، ويجب أن يعلم أن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تحدد 5 أفعال يُعاقَب عليها: أحدها “التواطؤ في الإبادة الجماعية”. ويجب أن يعلم أن الدول الموقعة على الاتفاقية ملزمة قانوناً “بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”. كما يجب أن يعلم أن بلاده وقّعت الاتفاقية يوم نشرها، وأدرجتها في القانون قبل 55 عاماً.

إن الموقف الرسمي الإسرائيلي هو أنه عند انتهاء الحرب، لن يبقى فلسطينيون في غزة. ويتباهى بنيامين نتنياهو علناً قائلاً: “إننا ندمر المزيد والمزيد من المنازل، وليس لدى سكان غزة مكان يعودون إليه”. وتبني إسرائيل ما وصفه رئيس وزرائها السابق إيهود أولمرت بـ”معسكر اعتقال” كخطوة أولى قبل ترحيل الناجين من غزة. ويقول إيال بنفينستي، المحامي الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية، إن هذا يُعد “جريمة حرب” و”ينطبق عليه تعريف “الجريمة ضد الإنسانية”. ووقع لاحقاً على رسالة تعلن أن هذه الخطة “في ظل ظروف معينة، قد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية”.

في الواقع، لا يترك القانون الدولي مجالًا للشك. وعندما صادقت المملكة المتحدة على معاهدة تجارة الأسلحة عام 2014، وافقت على أنه يجب ألا “تأذن بأي نقل للأسلحة التقليدية إذا كانت لديها معرفة وقت الترخيص بأن هذه الأسلحة ستُستخدم في ارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب”. كما وافقت على أن هذا يشمل “أجزاء ومكونات” أساسية لتشغيل “الطائرات المقاتلة”.

وفي الوقت الحالي تزود حكومة لامي إسرائيل بمكونات ضرورية لتشغيل طائرات إف-35، التي تدمر قنابلها البنية التحتية المدنية بشكل عشوائي وتمزق أجساد الأطفال الصغار. كما يعلم لامي، بالطبع، أن بريطانيا عضو مؤسس في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت العام الماضي مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وعند الدفاع بنجاح عن بيع مكونات طائرة إف-35 في المحكمة العليا، قدمت الحكومة تقييمها بأنها لم ترَ أي دليل على استهداف النساء والأطفال عمداً في غزة، وأنه لا يوجد خطر جدي من حدوث إبادة جماعية. وهذا يتناقض مع عشرات الأطباء والممرضات الأمريكيين الذين خدموا في غزة، والذين شهدوا العام الماضي بأنهم تلقوا جثث أطفال فلسطينيين أصيبوا برصاص قناصة إسرائيليين في الرأس أو الصدر.

وقد اعترف الجنود الإسرائيليون بأنهم يستهدفون الأطفال عمداً. ويقول نيك ماينارد – وهو طبيب بريطاني يعمل في مستشفى ناصر بغزة بأنه يرى مجموعات من المراهقين الصغار الذين أصيبوا بطلقات نارية في أجزاء مختلفة من الجسم بالقول: أحياناً تكون الإصابة في البطن، وأحياناً في الرأس أو الرقبة، وفي يوم آخر في الخصيتين. ويبدو كما لو أن هناك لعبة تُلعب”.

ويتناقض الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية، المُنكر للإبادة الجماعية، مع إجماع باحثي الإبادة الجماعية الفعليين الذين يكرّسون حياتهم لهذا المجال. ومن بينهم أكاديميون إسرائيليون مثل عمر بارتوف، الأستاذ البارز في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، الذي قال إنه كضابط سابق في جيش الدفاع الإسرائيلي عانى كثيراً للوصول إلى استنتاجه: “إنني أدرّس فصولاً دراسية عن الإبادة الجماعية منذ ربع قرن، وأستطيع تمييز الإبادة الجماعية بمجرد رؤيتها”.

إن من سهّلوا أو برّروا هذه الجريمة البشعة لا عذر لهم، ولا ملجأ لهم. فقبل أكثر من عام، أعدّ الفريق القانوني لجنوب أفريقيا ملفاً يفصّل تصريحات عن نية إبادة جماعية وإجرامية صادرة عن قادة ومسؤولين إسرائيليين: كان الملف من 121 صفحة، وقد عفا عليه الزمن تماماً. وهناك مقاطع فيديو توثّق ذبح المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية أكثر من أي جريمة حرب أخرى وقعت في التاريخ.

ومع ذلك، لا تكتفي بريطانيا بتزويد إسرائيل بمكونات طائرات إف-35 الأساسية، بل ترفض حكومتها وصف أي فعل إسرائيلي بأنه “جريمة حرب”، لأنها تعلم أن ذلك يفرض التزامات قانونية شاملة. وتواصل بريطانيا تجارتها السنوية مع إسرائيل، والتي بلغت قيمتها العام الماضي 5.8 مليار جنيه إسترليني.

وكانت السفارة البريطانية، بعد أيام من لفتتها الرمزية بتعليق محادثات معاهدة التجارة، قد احتفلت في إسرائيل بوصول المبعوث التجاري البريطاني. وعندما فرضت بريطانيا عقوبات على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف، فعلت ذلك على أساس “لغتهما المتطرفة المروعة”، وليس على أساس أفعالهما، لأن فرض عقوبات جادة على إسرائيل نفسها ممنوع.

وفي النهاية وبعد أن حظرت الحكومة حركة فلسطين يبدو أن معارضي الإبادة الجماعية هم من يواجهون المثول أمام المحكمة في هذه اللحظة. ولا شك أن وزير خارجيتنا يعتقد أن الحصانة التي يتمتع بها تقليدياً القادة الغربيون وإسرائيل نفسها ستحميه وزملاءه إلى الأبد.

ولكن لا يوجد قانون تقادم للتواطؤ في الإبادة الجماعية، وجريمة إسرائيل لم تكتمل بعد. ولا بد أن لامي يعتقد أن حريته في مأمن إلى الأبد؛ حيث أنه يراهن بشكل مؤكد أن بابه لن يُطرق بعد 5 أو 10 أو 20 عاماً.

المصدر: The Guardian

 

 

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *